العيش بسخاء


للتأمل بموضوعنا نشجعك لقراءة 2 كورنثوس 8 : 1-15.
فإنّكم تعرفون نعمة ربّنا يسوع المسيح، أنّه من أجلكم افتقر وهو غنيّ، لكي تستغنوا أنتم بفقره” 2كو 8: 9

بينما كان الرسول بولس يعمل على تأسيس الكنائس في أنحاء متعددة، لم ينسَ أبدًا المؤمنين الفقراء في أورشليم، بل كان يذكّر بهم باستمرار ويشجّع على جمع التبرعات لأجلهم (غلاطية 2: 10). ومن الكنائس التي تجاوبت مع هذا النداء، كانت كنيسة كورنثوس وكنائس مكدونية (1 كورنثوس 16: 1، رومية 15: 26). كلتاهما تعهدتا بتقديم عطايا لدعم إخوتهم المحتاجين، لكن كنيسة واحدة فقط أوفت بهذا الالتزام.

في حين كانت كنائس مكدونية، رغم فقرها، مثالًا رائعًا في العطاء بسخاء وفرح. كانت كنيسة كورنثوس – التي تقع في مدينة ساحلية غنية واستراتيجية – مثالًا معاكسًا. فالمؤمنون هناك كانوا يتمتعون بوفرة مادية، وقد عبّروا في البداية عن رغبتهم في المشاركة بالعطاء، لكنهم لم ينفذوا ما وعدوا به حتى وقت كتابة بولس رسالته الثانية إليهم. رغم هذا التقصير، لم يُهمل بولس ما تميّزت به الكنيسة من إيمان قوي، وكلمة وعظ مؤثرة، ومعرفة روحية، ومحبة واضحة (2 كورنثوس 8: 7). لكنه دعاهم أن ينموا أيضًا في “نعمة العطاء”، لأنها تعبير عملي عن الإيمان والمحبة، وبرهان على التزامهم بجسد المسيح الواحد. بمعنى آخر، دعاهم الى العطاء بسخاء كما قد سبق ووافقوا. وكي يشدّد على رسالته، ذكر الكنيسة في مكدونية كمثال معاكس لهم ليس بهدف انتقادهم بل لرغبته بأن يجتهدوا. ” بل باجتهاد آخرين، مختبرا إخلاص محبّتكم أيضا”( الاية 8 )

ف

المؤمنون في مكدونية كانوا المثال الصالح للعطاء: كانت مكدونية قد دُمِّرت بسبب الحرب و نتيجة لذلك كان المؤمنون هناك فقراء نسبياً. ومع ذلك، عبّروا أيضًا عن رغبتهم في العطاء — وقد فعلوا ذلك، بسخاء! وكان الدافع وراء كل ذلك هو “النعمة(الاية 1 ). مع وصف بولس لحالة فقرالمكدونيين العميق في الاية الأولى لكنه أيضا ذكر فرحهم الفائق في الاية الثانية .
عالمنا عادة لا يجمع بين هذين الوصفين ولكن يستطيع المؤمن أن يتمتع بفرح عظيم حتى في وسط التحديات. كما كتب بولس الرسول أن فرحهم وفقرهم أثمرا بعطاء بسخاء ( الاية 2 ).

وصف بولس أيضًا عطاء المكدونيين بأنه يتناسب مع إمكانياتهم، إذ قال إنهم أعطوا “بحسب طاقتهم”(الاية 3 ). وأضاف أن عطاءهم كان أيضًا فيه تضحيًة، إذ أنهم أعطوا “فوق طاقتهم” ( الاية 3 ) لم يتدينوا كي يعطوا ولكن أعطوا بمقدار كبير أكثر مما كان سهلا أو مريحا. أعطوا رغم صعوبة الامر. و أيضًا نرى أنّ عطاءهم كان أيضا طوعًا “من تلقاء نفسهم : ( الاية 3 ) لم يجبرهم أحد ولكن اعطوا بقناعة ذاتية ” لان الله يحب المعطي المسرور ” ( 9 : 7 )

 رغم أن كنيسة مكدونية كانت المثال الصالح للعطاء، إلّا أنّهُ خَتَم بولس طلبه لهم باعطائه أعظم مثال في العطاء الذي هو الرب يسوع المسيح:

حوّل بولس إنتباه أهل كورنثوس إلى عطاء وكرم يسوع كما يظهر في الإنجيل. فقد ترك الرب يسوع تسبيح الملائكة في السماء ليعيش بيننا، ويُحتقر ويُرفَض، ثم يُصلب ليدفع ثمن خطايانا. وإذا كنت قد وُلدت ثانية، فأنت قد نلت أعظم مظاهر السخاء في التاريخ.

فكيف لا نردّ الجميل للآخرين بالمثل؟

العطاء لا يقتصر على وضع المال في سَلَّة الكنيسة. قد يظنُّ البعض أن المبلغ الكبير يكفي ليُظهر سخاءه، لكن العطاء أعمق من ذلك بكثير! نحن مدعوون لا أن نعطي بسخاء فحسب، بل أن نعيش بسخاء. يمكننا أن نكون كرماء بوقتنا، بانتباهنا، باهتمامنا بالآخرين، وباستخدام مواهبنا لخدمة الله والناس. وإن كنت شابًا أو شابة، فلك سنوات طويلة أمامك. لذلك إلتزم منذ الآن أن تجعل حياتك كلها عطاءً سخيًا يمجّد الله ويبارك من حولك.


مقالات ذات صلة