من الفقر إلى الغنى الأبدي


للتأمّل بموضوعنا ندعوكم لقراءة متى 5.
لأَنَّهُ هكَذَا قَالَ الْعَلِيُّ الْمُرْتَفِعُ، سَاكِنُ الأَبَدِ، الْقُدُّوسُ اسْمُهُ: “فِي الْمَوْضِعِ الْمُرْتَفِعِ الْمُقَدَّسِ أَسْكُنُ، وَمَعَ الْمُنْسَحِقِ وَالْمُتَوَاضِعِ الرُّوحِ” اشعياء 57 : 15

من الفقر إلى الغنى الأبدي

قد تكون قد اختبرت الفقر في جانبٍ ما من حياتك، لكن هل سبق أن اختبرت معناه الحقيقي؟

تخيّل نفسك تسير في أحياء كمبوديا الفقيرة، حيث الأسواق الشعبية مكتظة بالبضائع المزوّرة: ساعات مقلّدة، وأغراض منسوخة من هوليوود.
قد تصادف هناك أولادًا يقومون بِتَهوِأَة المارّة بقطع من الورق ُتأَمّلين أن يكسبوا بعض المال. كما أنّك قد تجد أيضًا اللحوم موضوعة على طاولات مغطّاة بالطين لساعاتٍ عديدة تحت الشمس. ومن ثمّ تلتقي برجل فقد رجليه الاثنين في حادث وجسده الضعيف يتنهّد من الالم من سوء التغذية.

عندما افتتح يسوع عظته على الجبل بهذه الكلمات: «طوبى للمساكين بالروح، لأن لهم ملكوت السماوات» (متى 5: 3)، لم يكن يقصد أولئك الذين لا يملكون ترف قضاء عطلة هذا العام. بل كان يشير إلى الفقراء الذين يدركون ضعفهم واعتمادهم الكامل على نعمة الله، تمامًا كما يعتمد الفقراء في حياتهم اليومية على مساعدة وكرم الآخرين لكي يعيشوا. هذه الكلمات تكشف البُعد الحقيقي للتلمذة: أن نسير وراء يسوع بقلوب متواضعة، معترفة بعجزها، ومتّكلة كليًا على الله. فملكوت السماوات يُعطى لمن يدركون حاجتهم العميقة، ويعيشون منفتحين على نعمة الآب.

أتْباع يسوع لديهم هوية متواضعة – إنَّهم فقراء روحياً

أتى يسوع ليبشّر الفقراء بالروح بالخبر السار: أن خلاصهم لا يقوم على ما يقدّمونه لله، بل على نعمته المجانية (أفسس 2: 8-10). فالمساكين بالروح هم الذين يرون أنفسهم قائلين: «أنا لا شيء، ليس لدي شيء، لا أستطيع أن أفعل شيئًا، وأنا أحتاج إلى كل شيء».

هذا ما اختبره داود الملك، رجل الله العظيم، حين كتب مرارًا في المزامير: «أما أنا فمسكين ومحتاج». (مزمور 40: 17؛ 70: 5؛ 109: 21-22). لم يكن داود يفتقر إلى علاقة مع الله، ولا كان عاجزًا عن إطعام عائلته، بل كان يعترف بتواضع بحاجته المستمرة إلى الله في كل لحظة.

ونحن على مثاله، بعد أن آمنّا بالمسيح، وحتى ونحن نعيش محاطين بغنى نعمته الروحية، يجب أن ندرك دومًا حاجتنا الدائمة له. فالمساكين بالروح ليسوا ضعفاء في الإيمان، بل أقوياء بالاعتراف أن كل كيانهم متّكل على الله.

أتّباع المسيح لديهم تجربة مفرحة – إنهم مباركون

واحد زائد اثنان يساوي ثلاثة” — هذه معادلة منطقيّة وبَديهيّة. لكن يسوع قدّم معادلة تبدو بعيدة عن المنطق البشري: أن تكون مسكينًا بالروح يساوي أن تكون مباركًا (متى 5: 3). للوهلَةِ الأولى، عندما نرى شخصًا مشرّدًا، لا تكون كلمة “مبارك” هي أول ما يخطر على بالنا. لكن يسوع يعلّمنا أن المُتَسَوّل الروحي عليه أن يتذكّر ممن يَتَسوَّل: نحن لا نلجئ إلى بشر محدودين، بل إلى ملك الملوك. هو عظيم جدًا حتى يكفي أن يفتح يديه ليشبع احتياجات كل كائن حي (مزمور 145: 16). وهو صالح جدًا حتى يُسَرّ بأن يعطي خيرات للذين يسألونه (متى 7: 11). لذلك، المساكين بالروح مباركون حقًا، لأنهم يعرفون أنََّ كل ما يحتاجونَهُ موجودٌ في يديّ الله الكريمتين.

من الفقر إلى الغنى الأبدي

أن تكون مباركًا لا يعني امتلاك الراحة الماديّة أو النجاح الأرضي. بل أن تختبر فرحًا حقيقيًا وعميقًا نابعًا من الاستفادة من نعمة الله.

أَتْباع المسيح لهم إرث أبدي – إنهم ورثة ملكوت الله نفسه. فعندما يأتي المساكين، أي المتسولون الروحيون، إلى المسيح بالتوبة والإيمان، لا ينالون فقط غفران جميع خطاياهم (مزمور 32: 1)، بل يصبحون أيضًا مواطنين في الملكوت (كولوسي 1: 13).

وفي النهاية، سيرث المساكين بالروح الأرض الجديدة حيث يَعرفون الله ويَتَمتعون به إلى الأبد (رؤيا 21–22).

هذه هي القصة العظيمة: الانتقال من الفقر إلى الغنى الأبدي في المسيح!


مقالات ذات صلة