الرب تكلّم


دعونا نقرأ معًا من الرسالة إلى العبرانيين 1 : 1-4.
” الله، بعد ما كلّم الآباء بالأنبياء قديما، بأنواع وطرق كثيرة،” العبرانيين 1 : 1

الرب تكلم

تكلّم الله في مرحلتين أساسيتين من تاريخ الخلاص:

أولًا: في العهد القديم
منذ زمن بعيد، أعلن الله ذاته بطرق متنوعة لشعبه. فقد تكلّم مع موسى من وسط علّيقة مشتعلة، ومن السحاب على جبل سيناء (خروج 3؛ 19). وتكلّم مع إيليّا في صوت منخفض خفيف (1 ملوك 19: 12)، ومع إشعياء في رؤية عرش مجيد (إشعياء 6)، وكذلك في مواقف عديدة أخرى. لذلك، يُعتبر العهد القديم كلمة الله الموحى بها، وهذا ما أكّده يسوع نفسه والرسل مرارًا (يوحنا 7: 42؛ 10: 35؛ أعمال الرسل 1: 16؛ 4: 25؛ 2 تيموثاوس 3: 14–17؛ 2 بطرس 1: 12).

ثانيًا: في العهد الجديد
يقول الكتاب: “الله بعدما كلم الآباء بالأنبياء قديمًا، بأنواع وطرق كثيرة، كلمنا في هذه الأيام الأخيرة في إبنه” (عبرانيين 1: 1–2). ففي ملء الزمان، وبعد أن أرسل الله أنبياء كثيرين، جاء الإعلان الكامل والنهائي بيسوع المسيح، كلمة الله المتجسد ومجد إعلاناته. فهو ليس مجرد ناقل للرسالة، بل هو الرسالة نفسها، كلمة الله الحيّة والنهائية للعالم.

الرب تكلم

وصف كاتب رسالة العبرانيين شخص المسيح بطريقة عظيمة جدًا حين كتب:
الذي، وهو بهاء مجده ورسم جوهره، وحامل كل الأشياء بكلمة قدرته، بعد ما صنع بنفسه تطهيرًا لخطايانا، جلس في يمين العظمة في الأعالي” (عبرانيين 1: 2-3). بكلمات أخرى: أن ترى يسوع هو أن ترى الله نفسه.

لكن يبقى السؤال: كيف لنا نحن، الذين لم نرَ يسوع بالجسد، أن نفهم ما يقوله الله من خلاله؟

الجواب نجده في وعد المسيح لتلاميذه قبل صعوده: “وأما المعزّي، الروح القدس، الذي سيرسله الآب باسمي، فهو يعلّمكم كل شيء ويذكّركم بكل ما قلته لكم” (يوحنا 14: 26). وبالفعل، الروح القدس أَلهَمَ الرسل ليس فقط ليتذكروا تعاليم المسيح، بل أيضًا ليفسّروها. وهكذا دُوِّن العهد الجديد بالوحي الإلهي. لذلك، إن أردت أن تعرف ما قاله الله من خلال ابنه، فاقرأ العهد الجديد.

هذه الحقيقة – أن الله تكلّم في العهدين القديم والجديد – يجب أن تغيّر حياتنا!

أولًا: لا تبحث عن إعلان أفضل من الكتاب المقدس.

كثيرون اليوم، وخصوصًا من المؤمنين الشباب، يقضون وقتًا قليلًا في قراءة الكتاب، بينما يظنون أنهم سيجدون خبرات روحية أعمق خارجه. لكن إن كان يسوع – إعلان الله الكامل – قد دُوّن عنه في الكتاب المقدّس والرسائل، فكيف يمكن أن يوجد شيء أعظم من ذلك؟ ما نجده في العهد الجديد هو كل ما نحتاج أن نعرفه عن الله وعن كيفية أن نحيا له.

ثانيًا: عندما تقرأ الكتاب، إبحث عن الله نفسه.

فالكتاب المقدس ليس مجرد مجموعة نصائح أو قصص تاريخية، بل إعلان عن خالق العالم، المخلّص، الحاكم، والوارث لكل شيء. وعندما تقترب من الكلمة بهذه الروح، تدرك أنك أمام أعظم كنز على الإطلاق.
قد يقرأ بعض المسيحيين الكتاب المقدس بأنانية، باحثين فقط عن ما يُرضي مشاعرهم أو يحقق رغباتهم. ولكن هذا خطأ جوهري، لأن الكتاب المقدّس هو قبل كل شيء إعلان الله عن نفسه، فيه يَكشِف من هو وما فعله. فالعهد القديم يهيّئ قلوبنا لنثق بيسوع، والعهد الجديد يعلن لنا شخصه حتى نفهمه ونؤمن به. لذلك، عندما تقرأ كلمة الله، لا تجعل نظرك مركّزًا على نفسك، بل على الله المجيد.

الرب تكلم

ثالثًا: استخدم الإنجيل في علاقتك مع الله.

كثيرون من المسيحيين الشباب يظنون أن العلاقة المتينة مع الله يمكن أن تُبنى بسرعة وبمجهود قليل. لكن أي علاقة عميقة تحتاج إلى وقت ثمين يُقضى مع الآخر. وهذا ينطبق على علاقتنا مع الله أيضًا: لا يمكن أن تكون علاقتك قوية به إن لم تمضِ وقتًا منتظمًا في معرفة إرادة الله لحياتك من خلال الخلوة الصحيحة مع الكلمة. والطريق الوحيد لذلك هو من خلال كلمته الحية: بقراءتها، التأمل فيها، دراستها، التَّرنُّم بها، الصلاة من خلالها، وتطبيقها في حياتك اليومية. حينها فقط تنمو العلاقة ويترسّخ الإيمان.


مقالات ذات صلة